تهتم مجلة سومر بنشر:

18‏/06‏/2016

رحلة.. قصيدة بقلم الأديب/ عبد الله خزعل

 الأديب عبد الله خزعل

رحلة
في سِفر الخلودِ تعثّرتْ مطيتي
سقطَ منها فارسٌ أعرج
بريقهُ أصبحَ قاصرًا
يتعّثرُ فيمن حوله
ولا يعرفُ أيَّ مسلكٍ ينهجْ
في سِفر الخلود تاهتْ بناتُ أفكاري
وتقزّمتْ كلُّ أوتاري
تاهَ الغلامُ في دروبِ الحياة
أضاعَ بوصلَتَهُ 
وتشعبّتْ طرقُ البغاة
في سِفر الخلود توقّفَ نبضي
القمرُ عادَ باردًا
العزفُ كانَ نشازًا
المطربُ كانَ نائما
الحفلُ يصفقُ دون انقطاع
الموتى تزاحموا على أبواب المقابر
المرضى تألف الآلامَ والأوجاع
الشمسُ أحرقتْ كلّ الفصول
أنهارهُ جفّتْ وتيبّستْ كلُّ الحقول
في سِفر الخلود عدّتُ أبحثُ عن نفسي
حفّار القبور أكملَ رمسي
نعشي باتَ غريباً 
يعلوهُ بعضُ الغبار
المشيّعون بانتْ نواجذهُم من الضّحك
كانتْ تنظرُ إليّ من وراء الستار
لسانُ حالها يقول ضيّعتني
وكنتُ مقصورةً لك في إحدى الخيام
يا أحمقًا أبدلَ الخير
بمن هو أدنى
كنتَ للجنة فارسًا
تنتظرُكَ الحور
فعدّتَ طيفاً كالندى
في سِفر الخلود استيقظَ عقلي 
حسبتُ جدولَ أيامٍ مضتْ
نسيتُ الحسابَ لأول مرةٍ
وعدّتُ طالباً أجلسُ قربَ نافذة تهشمتْ
أنا من كنتُ حاذقًا
مالي أكررُ الحرف العنيد
كأنني لم آلفْ وحدته
وأشركت بكلّ حبّ عتيد
أصبحتُ للشيطان مرتعًا
وآنس قلبي همسَهُ 
تزيّنتْ كلُّ أحلامي
وجاءني من كلّ مكانٍ
ما لا أدفعهُ بعصا أحبتي
أسلمتُ لهم روحي
ونسيتُ أنني في سفر الخلود 
أصبحتُ غريباً دونَ قرينٍ
يُذهبُ عني الحزنَ 
وينتشلُ سفني
في سِفر الخلود تعلّمتُ حرفا
ونسيتُ كلّ الكتبِ
فيا عجباً من عُجبي
ويا عجباً من غضبي
ويا عجباً من تعبي
في سفر الخلودِ أصبحتُ مذنبًا
نسيتُ جنانَ الخلودِ
وتهيأتُ لحريق جهنمَ
وأنا أعرفُ قصص الأمم السالفة
ثمود ولوط وأصحابِ الأخدودِ
في سِفرِ الخلود تصفّرتْ كلُّ أرقامي
سجلاتُ الخطايا أُحضرتْ
وعيونُ الأرحام تبكيني
مازالَ طفلي صغيراً
وبكاؤهُ كان يؤذيني
عيوني تلصصُ يميناً ويسارا
علّ ما أنا فيه يكونُ حلما
بصرتُ بهِ خلفَ أحبتي 
يخترقُ شبحهُ كلّ الأجسام
كانَ بيده سوطٌ من نارٍ
وصحيفةٍ يخيفها عن مخيلتي
ثمة نورٌ يحضرني
لا أدري لمَ أنا خجلٌ منهُ؟
أراد الآخرُ أن يضربني
فغشيني نورُ الإله 
فبصرتُ حلمي
أمي كانتْ ترضعُني
وأبي كان يهدهدني
كبرتُ سريعاً
أركضُ في دروبِ مغبرّةٍ
أشعثُ الرأس
وألهث كالكلبِ 
بعضُ صفحات الحلم كان غائما
لمْ أعدْ أرَ صورة والديَ
وحولي أطفالي
مازلتُ أسألُ نفسي
من أينَ جاءَ الهرم؟
كيف كبرتُ سريعاً؟
لعلّني ما زلتُ أحلمُ
غير أن معصمي
أشعرني بأنني أصبحتُ زائرا
يتلطفُ عليّ صغاري بقراءة سورةٍ من القرآن ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق