تهتم مجلة سومر بنشر:

26‏/09‏/2016

اغتراب.. قصة قصيرة بقلم الأديبة: زهرة خصخوصي



اغتراب
أراقبها تنأى وهنة عن دربي كشمس تطاردها سياط الدّجى الجائرة..
أتوه خلف ظلّها المنسكب في أقداح ذاكرتي البعيدة..ألعق أسمال طفولتي الضّاجّة فيّ كَجَرو حبيس يشاكسه صبية من خلف قضبان السّور..
أتوق إلى فيء خطاها. أحملني إليها حنينا وبعضَ مُنَى..
تمسح راحتي على وجهها البلّوريّ وابتسامتها الجليديّة تتربّع على عرش وهم الوصال..
تلدغني عقارب إطار يأسرها، فأعدّل موضع الصّورة وأنكفئ إليّ..
أتأمّل صورتي المنعكسة على صفحة المرآة. أمرّر يدي على وجهي، أتحسّسه، تتخللّ أصابعي شعري وعيناي تتابعان ذات الحركات تتكرّر في رتابة. أحاول الولوج إليّ في المرآة، يصدّني الجدار الزّجاجي..
نائيتان عنّي في دياجير الحضور والغياب..
أَرسُمُكما فيّ ..
تَتماهَيان..أُنكركما..
توغلان فيّ خفقة بلا عَبَق، انعكاسَ ظلّ سحابة على نهر دافق يشتّتها الضّياء..
يصيح نبضي:"كم طالت غربتي عنك أخفقتي الموغلة في الارتحال.. تطوين الدّروب فيّ وتطويك، أستحثّ الخطى لتحملني إليك فتجمحُ بي إلى غير خيمتك.. ترهقني عيناك المبحرتان في قفاي بلا انتظار، وغيمتك الحبلى بحلم مطرتُمسي عقيما..
مثقَلة أجنحة الحنين التّائهة فيّ إليّ على شفتيّ المقفلتين على أجراس الصّمت الوليدة..
أراك فيّ تجدّفين إلى جُزر الحزن الملطّخة بأنين الحُبّ المنتحر على مذابح الفقد...أراني أتحسّس دربي إليك أغافل عيون الدّهر الرّقيبة..
أشرق بالاشتياق..
أتغرغر بنا حيث كنّا جذرا ينغرس في جبين العمر المنسيّ، يمتدّ في ثراه، يتوق إلى انطواء ضفّتي الأديم الحالم عليه تبشّرانه بميلاد ربيع لا ينجلي.."
أعود إلى الوجه القابع على صدر غرفتي..تلج عيناي العينين النّاعستين، أضجّ توقا إلى اندساس في حضنهما.. تَعبتُ من التّعثّر بأذيال شوقي إلى عمر يجمعنا ونصال عمر تذبّه، تبدّدنا، وأهداب آخر بالحلم تلملم فتات ما تبقّى من حنيني فتشكّله جمرة تلتهب مضيئة سبل الولهين التّائهين في دروب الارتحال..
أضمّ الصّورة إليّ.. أهمس :"أوّاه... كم باتت موصدة منافذي إلى وصال.. !!! أشتاقك تعجنين دقيق عمري حلوى، تغمسين حلمي في طحين العزم المنثور في شعاب حساكة الصّبر، تأسرينني في مضيق الكدّ والأمنيات، تَسكنيني نبضا على نبض فأُثمر في الخريف أراجيح طفولة.."
تنحدر مجامر دمع على خدّيّ.. تمسحها راحة ابنتي، أتأمّل وجهها ا غضّ والصّورة الباردة، أُلفيني بينهما غريبة..
يرنّ الهاتف في قبضتي.. يتناهى إليّ سرابُ صوت أمّي مكدودا مثقلا بنَفيس الدّعوات.. أتوه بين الصّوت والصّورة وأمنية مستحيلة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق