تهتم مجلة سومر بنشر:

05‏/10‏/2016

أقــدار.. قصة قصيرة بقلم الأديب: مختار أمين

 

 مسني الحنين إليها ذات مرة، وأنا أرنو إليه يقضمها في نشوة ولذة، وهو جالس على كرسيه في الدسك الأول من الفصل بين الحصتين.. أخذني حماسي أن أذهب إليه، وأتقرّب منه بكل ود، كي أقيم معه علاقة صداقة، ولكني تراجعت وأنا يسرقني التيه مشدوها محلقا في جمال أنس فكرة التقرّب، ويلوك لساني عسل حلاوتها.. مبتسما كنت. تمطيت بكسل وأنا ممدد ذراعيّ على الدسك رامي رأسي الثقيل عليهما من خدر النشوة. 
بت أرسمها دوما في كراسة رسمي، وأنا حريص كل الحرص على قلمي "الفليو ماستر" بلونه البني الغامق. ملأت بها جدران طريق العودة والذهاب إلى المدرسة. ذقتها مرة بعد مئة مرة بلصق عينيّ في زجاج أقرب بقال بجوار المدرسة، وهو يتتبعني كل يوم في حذر.. تائه في عينيّ يستقرأها على مهل.
ناداني ذات يوم وهو يمسك في يده واحدة.. يلوّح بها أمامي:
ـ فرّغ قفص البيض في سلّته
على الفور وضعت كل البيض في السلّة وحصلت عليها، أخذت جانبا من الرصيف وقضمتها مثله.. مثله بالضبط.
في صباح اليوم التالي قبل الطابور اقتربت منه وحييته في كبرياء، وأنا أتجاهل النظر إليه.. نظر إليّ في دهشة ومضي حيث رفاقه الذين يشبهونه.. ابتسمت وطرت أقفز حاجلا على قدميّ، وأنا أقبض على نشوة أمس.
باسما دوما وجهه، بشعره الأصفر الناعم الساقط على جبهته فوق عينين واسعتين كاحلتين تظللهما رموش كثيفة، وبشرته ناصعة البياض، ووجنتيه الحمرواتين، وحلّته المدرسية الأنيقة.. أراقبه دوما من خلال عينيّ الضيقة المجهدة، وبشرتي السمراء، وشعري الأكرد، وحرب الأولاد في عراكهم معي دوما معالمه على ملابسي، كان يقارن بيننا مدرس الرسم، وترن الجدران من ضحك الأولاد كلما أشار إليّ بإصبعه القوي السميك وأنا أحصل على نصيبي من المقارنة.. انتهى النزال بقهقهته بكل جرأة ودمعتين ملتصقتين في مقلتيّ.
كانت جائزتي قطعة شيكولاتة من يده عنوة في نزال آخر من مدرس الرياضيات عندما أجبره على ذلك.
بعد عشرات السنين غيرتنا السنين، وتقدمت إليه بعلبة شيكولاتة، راجيا من الله أن يحظى بعنايتي، وهو مديري الجديد القادم "ترانزيت" من الصفوة التي تدير أمورنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق