تهتم مجلة سومر بنشر:

29‏/12‏/2015

المسافر.. قصة قصيرة للكاتب/ عبد الله خزعل

 الكاتب عبد الله خزعل

المسافر
كان آخرُ عهدهِ بالضّوء: صداعٌ قويٌّ مرَّ برأسهِ كبرقٍ خاطف. صورُ أبنائه الشبحية تتلاشى شيئاً فشيئا.ابنهُ الكبير يبكي، والآخر ينهارُ أمّا محمدٌ الصّغير فلقدْ هربَ كعادته عندما يراهُ في وضعٍ مرتبك. الظلام يزدادُ كثافةً، وتدورُ به الدوائر وكأنّهُ يُسحبُ إلى قعرٍ سحيق. مكثَ في عتمتهِ لا يَعلمُ من أمرهِ شيئا، حتى ظهرَ النّورُ ثانيةً. وجدَ نفسَهُ في أرضٍ قاحلةٍ يكادُ الأفقُ أنْ يُطبقَ عليها. حارَ في خلاص نفسِهِ. رمى ببصره بعيداً؛ فلاحَ لهُ طريقٌ معبّدٌ على جوانبه الأشجارِ المثمرة. حثَّ الخطى إليه وسارَ بهمةٍ عالية. انتهى إلى واحةٍ كبيرة، الخضرةُ تملأ المكان والماءُ العذبُ يجري بأنهار صغيرةٍ، وألفُ حورية (مقصورات في الخيام). تمنى أن يقيمَ في مكانه؛ ليتنعمَ بكلِّ شيء. خرجتْ لهُ إحداهُن وكأنّها القمرُ في ليلةِ تمامهِ. أمسكتْ بيدهِ؛ فسرى في جسده تيّارٌ عجيب، ملأ إحساسَهُ حيويةً وقوة؛ فأرادَ التهامها كوجبةٍ سريعة،لكنّها بادرتْهُ قائلةً: هل تتمنى أن تُقيمَ معنا؟..
... نعم.
... إذن عليك أن تكونَ زوجاً ﻷلف حورية وألف ألف وصيفة.
... وهل أستطيعُ أن أكون ...؟
.... نعم . فقط بالرجوع قبل إغلاق الكتاب وضياعِ ملامح الطّريق...
تركها مسرعاً عبرَ نفس الطّريق والذي بدأ بالانحسار حتى تلاشتْ ملامحُه.. وقفَ متحيراً في وسط صحراءَ قاحلةٍ، وقد أخذ العطشُ منه كلّ مأخذ. فكّرَ في رفعِ صوتهِ وطلبِ النّجدة.. أخذَ يستنجدُ بكلِّ شيء؛ فسمعَ صدى أصواتٍ بعيدةٍ، أخذتْ تقتربُ منهُ. فكانوا ألفَ رجلٍ كلٌّ ينادي (ربِّ ارجعون لعلّي أعملُ صالحاً).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق