تهتم مجلة سومر بنشر:

12‏/04‏/2016

عبث.. قصة قصيرة بقلم الكاتبة/ ريتا الحكيم


عبث
أزاحت "فدوى" خصلات شعر كانت قد انهمرت على وجهها، مخفيةً وراءها نظرات حادةً خاليةً من أي تعبير. ألقت نظرةً أخيرةً على المرآة، ارتدت ابتسامةً متكلفةً، ثم ضربت الأرض بكعب حذائها العالي، معلنةً بذلك بدء جولتها الليلية المعتادة. عبرت الدهليز قبل أن تطأ قدماها السلم الحلزوني، توقفت برهةً أمام أحد الأبواب ونقرته ثلاثاً متتاليات ثم تابعت طريقها، مخلفةً وراءها صدى خطوات تنبيء سامعها أنها في عجلة من أمرها. أمعنت في سيرها باتجاه وسط المدينة حيث الكتف يلامس الكتف في زحام يكاد يقطع الأنفاس. هنا ملاذها كل ليلة، لا تغادره إلا مع بزوغ الفجر. كانت تحرق الوقت بإشعال سجائرها واحدة تلو الأخرى، ملتفتةً يمنةً ويسرةً وكأنها تنتظر أحدهم. ها قد انتصف الليل ولم يأت بعد. أدارت رأسها متذمرةً، تنصت لحديث عاشقين على الطاولة المجاورة. أعجبها حوارهما؛ فسخرت كل حواسها كي لا تفوتها كلمة منه.
- لماذا تأخرت؟ أنا أنتظرك منذ أكثر من ساعة.
- ها أنا هنا الآن؛ فلم نهدر وقتنا في عتاب لا طائل منه ولا فائدة؟
- دوما تنتصر علي في جولاتك وصولاتك؛ فأنسى ما أريد قوله وأغرق في معسول كلامك.
- ألا تحبين العسل؟ أنا أعشقه عندما يقطر من شفتيك ولولا أننا في مكان عام لانقضضت عليهما. 
انتبهت "فدوى" أنها لم تعد تسمع حديثهما، ولم يبق على بزوغ الفجر إلا القليل. أشعلت آخر لفافة تبغ وعصرت العلبة الفارغة بين أصابعها تعبيراً منها عن تذمرها من ذلك. ها هي تسمعهما من جديد وتنصت ثانية. غرقت في تأملاتها ولم تشعر إلا بيد تهزها وصوت أجش يخاطبها قائلاً: أرجوك يا سيدتي استيقظي نحن على وشك إقفال المحل" انتفضت فزعة وسألته: أين ذهبا؟
- يا سيدتي لم يأت أحد غيرك، منذ أن جلست هنا وأنت غارقة في نوم عميق.
لملمت نفسها وعادت أدراجها باتجاه المنزل. صعدت السلم الحلزوني، توقفت عند نفس الباب ونقرت ثلاثاً متتاليات، ثم تابعت على رؤوس أصابعها متحاشيةً بذلك إصدار أية ضجة تحي الميت في أعماقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق