تهتم مجلة سومر بنشر:

04‏/05‏/2017

الشيخ والبحر لــ إرنست هيمنغواي



كان يا ما كان...
  كان هناك رجل عجوز، يتجول وحيداً في مركبه يصطاد في مياه غولف ستريم (كوبا)...
سانتياغو صياد متقدم في السن ولكنه لا يزال متمتعاً بحيويته ونشاطه. كان لا يزال في زورقه وحيداً ساعياً إلى الصيد، وقد مضى 84 يوماً ولم يظفر ولو بسمكة واحدة. رافقه في الأيام الأربعين الأولى ولد صغير كان بمثابة مساعد له، كان الصبي يحب العجوز كثيراً ويحب خدمته ورعايته.
  قال أبوا الغلام لابنهما أن الشيخ منحوس نحساً لا ريب فيه وأمراه أن يعمل في قارب آخر ما لبث أن فاز بثلاث سمكات رائعات من الأسبوع الأول لعمله معه. وأشد ما كان يؤلم الغلام رؤية العجوز راجعاً إلى الشاطئ، في مساء كل يوم، وزورقه فارغ من الاسماك، ولم يكن يملك إلا أن يسرع إليه ليساعده في لملمة حباله، وحمل عدة الصيد وطي الشراع حول الصاري. وكان هذا الشراع يبدو وكأنه علم أبيض يرمز إلى الهزيمة السرمدية التي طال امدها.
  وفي يوم خرج العجوز من ميناء هافانا بقاربه قبل بزوغ الشمس وتوغل في البحر عازماً على الوصول لمنطقة لم يصل لها من قبل، فهو ينشد اصطياد سمكة كبيرة ليجني ربحاً كبيراً وسيعيد له كبرياءه كرجل وكصياد...
بعد أن جذف كثيراً وتوغل في البحر أكثر رأى أحد الحبال يتحرك وتتعلق بخطافه سمكة عملاقة، لكنها لضخامتها لم يستطع العجوز أن يرفعها وإذ بها تسحب هي المركب وتسبح به بعيداً... طال الوقت والسمكة ما زالت منطلقة... لف العجوز الحبل على كتفه لئلا يُفلت السمكة.
  أبصر من بعيد أضواء مدينة هافانا فأدرك أن التيار يتجه صوب الشرق. وقد كان العجوز يحادث نفسه بصوت عال ما دام وحده.
ويقول: لو كان الصبي معي في هذه الرحلة، إنني لم اظفر بمثل هذه السمكة في حياتي... إنها تستطيع أن تدمرني إذا قفزت، ولكن كيف لها أن تعرف أنني رجل عجوز......
  كانت السمكة تراوغ وتناور وتدور، وكان بعد كل دورة يسترد أجزاء من الحبل أكثر فأكثر. كان واثقاً أنه بعد دورتين أخريين سيجد الفرصة ليطعنها بالرمح الذي أعده منذ وقت طويل.
  ويصارعها عدة أيام وليال وتأخذه بعيدًا عن الشاطئ.....
نال منه التعب ما نال وجف ريقه والسمكة مازالت في دورانها. كان كلما حاول جذبها لكي يضربها تبتعد في هدوء دون أن يستطيع الوصول إليها. بعد دورات كثيرة، استجمع العجوز قوته واقترب منها ممسكاً بالرمح وحين مرت أمامه رفع الرمح عالياً وطعنها به فنفذ الرمح في السمكة خلف الزعنفة الكبيرة وانحنى العجوز على الرمح بكل ثقله فتوغل الرمح في لحمها عميقاً...
اضطربت السمكة وقفزت وسقطت في الماء محدثة ضجة عالية وانبعث رذاذ الماء ليغطي العجوز والمركب كله. شعر العجوز بالدوار.. شاهد السمكة مستلقية على ظهرها وقصبة الرمح بارزة منها وتحول لون الماء إلى اللون الأحمر. بسبب الدم الغزير الذي سال منها.. كانت السمكة طافية مع الأمواج..
قال لنفسه: ينبغي أن أستعد للعمل الآن فأربطها للمركب وأبحر إلى موطني.
تأمل العجوز السمكة الكبيرة، أنها غنيمته الغالية وظل في سعادته ساعة قبل أن تلطم فرحته أول سمكة من أسماك القرش..!!
لقد أثارتها سحابة الدم التي انسابت من السمكة الضخمة وانتشرت على عمق ميل تقريباً فأسرعت القروش بالصعود بلا حذر وبقوة. كان القرش المهاجم قوياً ومن النوع الذي لا يرهبه شيئاً...
  أخذ العجوز يعد رمحه الذي أصبح حبله قصيراً بعد أن قطعه ليربط به السمكة. كان العجوز يعلم أن أمله ضعيف، خاطب نفسه قائلاً: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..!
هجم قرش آخر ونهش من جسد السمكة في نهم.. استعد العجوز وحين اقترب القرش مرة أخرى طعنه بالرمح طعنة قوية. علم العجوز أن القرش قد مات لكنه كان قد تناول ما يقرب من أربعين رطلاً من اللحم بل وأخذ الرمح معه مغروساً في رأسه. وأخذت دماء السمكة تسيل بغزارة لتجتذب أسماك قرش أخرى..
  كانت آماله تضيق لكنه قال لنفسه: فكر في شيء بهيج أيها العجوز فكل دقيقة تمر تقترب من البيت وأنت تبحر خفيفاً بعد أن فقدت السمكة بعض وزنها.
  تطلع العجوز إلى رأس السمكة وأخذه التفكير بينما المركب منطلق في هذا الطقس المنعش وعاوده بعض الأمل فقال لنفسه: نعم إن اليأس خطيئة..!
  كادت أعضاؤه تتجمد من شدة برد الليل وآلمته جروحه بل كل أجزاء جسمه بسبب هذا المجهود الخارق الذي قام به. لمح وهج بعض الأضواء من بعيد فانتعش بعض الشيء، لكن مجموعة أخيرة من القروش هاجمت المركب وأتت على ما بقي من السمكة ولم تجد مقاومته لها نفعاً فعاد العجوز بمركبه خفيفاً وقد تجمدت مشاعره.. لقد غلب على أمره في النهاية.
  عاد للشاطئ وربط المركب وحمل الصاري، لم يكن أحد على الشاطئ ليراه وكان التعب قد هده وكاد يسقط لكنه استراح في الطريق عدة مرات حتى وصل لكوخه القديم....
  جاء الصبي في الصباح فنظر من النافذة وحين لمح يدي العجوز وما أصابهما بكى. انطلق ليأتي له بالقهوة وبعض اللبن ورأى الصيادون هيكل السمكة الناصع وأخذ بعضهم يقيس طولها. عاد الصبي للعجوز بالقهوة وأخذا يتحادثان. كان الصبي قد قرر أن يصيد مع العجوز بعد ذلك ويترك من يعمل معه حتى ولو رفض والداه وقال:
أمامي الكثير الذي أتعلمه منك..
انصرف الصبي وواصل العجوز نومه ليستريح بعد رحلته الشاقة.
________________________________________


إرنست همينغواي Ernest Hemingway:
(1899 - 1961) كاتب أمريكي يعد من أهم الروائيين وكتّاب القصة. كتب الروايات والقصص القصيرة. عمل على تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان في رواياته، غالباً ما تصور أعماله هذه القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من العزلة والانطوائية. شارك في الحرب العالمية الأولى والثانية حيث خدم على سفينة حربية أمريكية كانت مهمتها إغراق الغواصات الألمانية، وحصل في كل منهما على أوسمة حيث أثرت الحرب في رواياته.
عاش هيمنغواي حياة اجتماعية مشاغبة، تزوج أربع مرات وكانت له عدة علاقات عاطفية، وولع غريب بمصارعة الثيران.
تميز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة. وترك بصمته على الأدب الامريكي الذي صار هيمنغواي واحداً من أهم أعمدته. شخصيات هيمنغواي دائماً أفراد أبطال يتحملون المصاعب دونما شكوى او الم، وتعكس هذه الشخصيات طبيعة همنغواي الشخصية.
حصل على جائزتي نوبل وبوليتزر. وفي أخر حياته انتقل للعيش في منزل بكوبا حيث بدأ يعاني من اضطرابات عقلية وحاول الانتحار، وقد وضع حد لحياته بإطلاق الرصاص على رأسه من بندقيته عام 1961 في منزله، وقد تحول منزله في كوبا فيما بعد إلى متحف يضم مقتنياته وصوره.

ومن أهم الأعمال التي أبدعها الكاتب الأمريكي الكبير:
" ثم تشرق الشمس" عام 1926
"وداعا للسلاح" عام 1929
"الذين يملكون والذين لا يملكون" عام 1937
"لمن تقرع الأجراس" عام 1940
"عبر النهر وخلال الأشجار" عام 1950
"العجوز والبحر" عام 1952.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق